اللبـن المسكوب لا يصلـح للشرب!

مقال للكاتبة: ابتســــام آل سعــــــد

لربما كتب غيري في الموضوع الذي سوف تكشف عنه سطوري القادمة مرارا، ومن المؤكد أيضا أن الكثيرين قد نبهوا في موقع التواصل الاجتماعي ( تويتر) عنه تكرارا، ولكن أرى نفسي، كما يرى كثيرون غيري أنفسهم ملزمين بالكتابة عن هذا الموضوع، الذي ورغم الميزات التي يحملها إلا أن مساوئه تبدو أكبر، إذا لم يخضع لرقابة الكبار فيه ألا وهو برامج التواصل على اختلافها وأنواعها، ومدى الميزات التي تصل الناس ببعضهم البعض فقد لاحظت منذ فترة وتحديدا منذ انطلاق المنصة الاجتماعية (كلوب هاوس) وما تحمله من خاصية إنشاء (غرف للدردشة الصوتية) ودخول أعضاء وغير أعضاء في هذه الغرف للمشاركة في موضوع الدردشة الذي يختلف باختلاف (جدية) صاحب الغرفة، فقد ينشئها شخص مثقف واع يمكن أن يخصص موضوعات جادة للنقاش وتبادل الأفكار حول الموضوع الذي قد يكون عن قضية أو ظاهرة بأسلوب متسم بالأدب وعدم الخروج لا عن الآداب المجتمعية أو قيم الدين التي نحافظ عليها، مهما تفاوتت درجات الذنوب الدنيوية لنا، وفي المقابل قد ينشئ مثل هذه الغرف ثعالب أقل ما يقال عنها أن خسيسة الفكر والمضمون يصطادون فيها المراهقين وصغار السن والعقل ليجذبوهم إلى الدخول في هذا (الروم)، واستمالة فكره وإغرائه بما تخضع له نفسه الضعيفة فيكونون لهم جمهورا من التابعين من هؤلاء المراهقين أو الصغار، فيغيرون فكرا ويقلبون نفسا لربما كانت حتى الأمس نفسا طيبة وفكرا نظيفا.

ولذا فإننا هنا ننبه بأن هذه البرامج وغيرها التي باتت تجتذب مثل هؤلاء فتخضعهم لأهواء رخيصة لتغير الأخلاق والمبادئ والتربية التي لم تعمر أمام سقوطهم في هذا الوحل باتت مثل السرطان الذي ينهش الأجساد المتعافية ولا يرضى أن يتركها إلا وقد سلب تلك العافية وأسقط تاج الصحة الذي لطالما كان يتغنى بها صاحبها حمدا لله وفضلا وفي لحظة غفلة وضعف ونسيان يهوي إلى القاع دون إدراك منه ولا يملك وقتا للعودة.

أنا هنا أحذر كل أب وأم لمراقبة أطفالهم والتقرب من المراهقين من أبنائهم، ليمنعوا أي ثغرة ضعف يمكن لهذا المراهق أن يدلف منها إلى من يوهمه أنه من يمكن أن يفهمه ويحتويه، وأن يراقبوا ما يراه أطفالهم في (آيباداتهم وهواتفهم الخلوية) ويشاركوهم اللعب والقراءة في محاولة لإشغال وقتهم وعدم وجود فراغ يمكن أن يستغله ضعاف النفوس هؤلاء فيتسللوا مثل اللصوص إلى حياة أطفالكم فيسلبوا منهم أجمل ما فيهم وأرقى ما نشؤوا عليه وتربوا، ولعل الجميع قرأ وشاهد الأخبار المتداولة في بعض الدول الخليجية المجاورة عن القبض على أشخاص أنشؤوا غرفة للدردشة الصوتية بقصد نشوء علاقات محرمة بين شباب وفتيات بدعوى جمع رأسين بالحلال، وانتهى الأمر إلى كلمات فاحشة وتعابير خادشة للحياء واستمالة رخيصة لعقول البنات، وبعد القبض عليهم تبين أنهم مجموعة من المراهقين أصغرهم فتاة تبلغ من العمر 15 سنة وأكبرهم والذي هو (صاحب الروم) شاب يبلغ الـ 22 سنة، وحين تم سؤاله عن سبب كل هذا أجاب: الفراغ!.

فهل يمكن أن تتخيلوا فعلا ماذا يمكن أن يفعل الفراغ في حياة أبنائكم إن انشغلتم عنهم إما في عمل أو علاقات اجتماعية أو غيرها من الأمور التي باتت تقيم جسورا لا مد لها بين الآباء والأبناء في عصرنا الحالي؟! بالطبع سوف يتجه هذا الابن أو تلك الابنة لمن يظنان أنه يمكن أن يسد فراغ الأم أو الأب في حياتهما، وقد يتماشيان مع أصدقاء سوء يمكنهم أن يجروا كل واحد منهما إلى هاوية لا يعلم عمقها وخطورتها إلا الله، وقد يختاران الطريق الأسهل وهو ما بات شائعا ولا يكلف أي مجهود وهو تصفح مثل هذه المواقع، والوقوع فرائس في حبال من لا يخاف الله ولا يتقي عباده فيه بينما الآباء غارقون في حياتهم البعيدة كل البعد عن أبنائهم، وهو أمر لا يشفع لهم عند حصول كارثة كالتي يشعر بها أهالي أولئك الذين تحدثت عنهم، وهم في قبضة الأمن اليوم فالحذر ثم الحذر والبكاء على اللبن المسكوب لا يعيد قطرة منه تكون صالحة للشرب!.

مقال للكاتبة : ابتسام آل سعد

المصدر : جريدة الشرق

‏ebalsaad@gmail.com
‏@ebtesam777

شاهد أيضاً: القيادة الإبداعية : مقال للكاتبة سمية المطوع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
الوطن الخليجية