فورين بولسي : صداقة وثيقة بين محمد بن زايد و محمد دحلان و نزهات ليلية

كشفت مجلة فورين بوليسي الأمريكية عن معلومات جديدة توضح علاقات الصداقة الوثيقة التي تربط بين محمد دحلان المفصول من حركة فتح الفلسطينية عام 2011 وبين ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد ، والتي وصلت إلى الحد الذي يخرج فيه الثنائي في وقت الغروب في نزهات ليلية في شوارع أبوظبي الصحراوية السريعة وهم يرددون الأغاني العربية المفضلة لديهما.

وأكدت المجلة في تقرير كتبه جوناثان اتش فيرزغر “Jonathan H. Ferziger” أن دحلان قد وجد لنفسه دوراً جديداً بعد لجوءه إلى الإمارات ومنح بن زايد له ملاذا آمناً بعد فراره من فلسطين.

وجاء في التقرير إن صداقة دحلان القوية مع بن زايد جعلته يداً مؤثرة “وإن لم تكن مرئية” في صياغة اتفاقيات ابراهام المتعلقة باقامة علاقات مع اسرائيل بوساطة الولايات المتحدة الأمريكية والتي وقعتها إسرائيل مع الإمارات والبحرين الشهر الماضي .

وتناول التقرير حياة الرفاهية التي يعيشها دحلان حاليا في ابوظبي بدلا من تلك التي كان يعيشها في غزة، وذلك بفضل العلاقات والمصالح التجارية التي اقامها هناك والعلاقة القوية ببن محمد بن زايد و محمد دحلان . حيث رصد التقرير التغير الذي طرأ على حياته الشخصية بين فترة غزة التي كان يعيش فيها حياة بسيطة ويرتدي فيها ملابس متواضعة وفترة أبوظبي حاليا التي يعيش فيها حياة مخملية في فيلا فاخرة بأرضيات رخامية وأزياء من أشهر الماركات العالمية.

وقال إن دحلان ، الذي يعتبر أحد أعداء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، هو العقل المدبر لاتفاقيات اقامة العلاقات العربية مع إسرائيل، وعلى الرغم من أن دحلان لم يظهر في الصورة خلال اللقاءات الإماراتية الإسرائيلية لكن كان “اليد المؤثرة في هذه الاتفاقيات” ، مشيرة إلى ان خروجه من فلسطين كان بمثابة عار وذلك عندما داهمت الشرطة الفلسطينية منزله في رام الله لاعتقاله. مشيرة إلى أن تعامل أبوظبي مع القيادة الفلسطينية والفلسطينيين لا يتم إلا بعد مشاورة دحلان أولاً.

كما تناولت المجلة الأمريكية تاريخ دحلان بعد خروجه من فلسطين، لافتة إلى أنه وعلى مدى السنوات التسع الماضية أقام دحلان علاقة وثيقة وبشكل غير عادي مع بن زايد ولي عهد أبوظبي المتمرد الذي منح دحلان ملاذاً له عندما فر من عباس.

وقالت إن دحلان الذي ولد في مخيم للاجئين في غزة يعمل كمبعوث دولي خاص لبن زايد حيث أنه يساعد في ترتيب صفقات تجارية وسياسية من شمال إفريقيا إلى أوروبا الشرقية. مضيفا نقلا عن دحلان، إنه عند الغروب يذهب الرجلان، “في إشارة إليه وبن زايد” في نزهة منتصف الليل بالسيارة ، يغنيان أغاني عربية يفضلانها أثناء تجولهما في الطرق الصحراوية السريعة في أبوظبي.

وأكدت أنه يعتبر مهندسا “وراء الكواليس” للموقف الإماراتي الذي يقوم أيضا بالضغط على الرئيس الفلسطيني محمود عباس ويضعه في مواقف محرجة، وخير مثال على ذلك عندما وجد الرئيس عباس نفسه مضطرا لرفض طائرتين تحملان مساعدات طبية لمواجهة فيروس كورونا المستجد “كوفيد – 19” وذلك لأن طائرات أبوظبي جاءت عبر مطار بن غوريون في تل أبيب.

وفي تصريحات لفورين بوليسي قال بشارة بحبح ، الأكاديمي الفلسطيني المعروف بانتقاده للرئيس عباس والذي شارك في كتابة أعمدة الرأي مع مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السابق للشرق الأوسط جيسون غرينبلات، إن بن زايد “لن يفعل أي شيء تجاه الفلسطينيين دون التشاور مع دحلان”. مضيفا “إنه حاسم في ذلك.” وقالت المجلة الأمريكية إن مسؤول إماراتي رفض مناقشة علاقة دحلان بولي عهد أبوظبي.

وتطرق التقرير لمسيرة دحلان منذ ظهوره في المشهد الفلسطيني مؤكدة أنه قام بلعبة طويلة للصعود إلى القمة ، ووصفت مسيرته السياسية في فلسطين بالمتقلبة، حيث أنه قام بالتودد والتقرب من واشنطن من أجل أن يصبح خليفة محتمل للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

وقالت إن دحلان ولد في مخيم خان يونس للاجئين في قطاع غزة ، وقد نشأ كواحد من القادة الشباب للانتفاضة الفلسطينية عام 1987، حيث تعلم العبرية خلال فترات متعددة قضاها في السجون الإسرائيلية. وفي نهاية المطاف اكتسب دحلان ثقة عرفات كمساعد رئيسي له عندما كان مقر منظمة التحرير الفلسطينية في تونس. وعند عودتهم في عام 1993 مع اتفاقات أوسلو للسلام ، قاد دحلان حركة فتح في غزة كما قاد العمليات الأمنية هناك.

ولكن أثناء صعوده إلى صفوف السلطة الفلسطينية بعد وفاة عرفات في عام 2004 ، اشتبك دحلان باستمرار مع عباس، وكان هو وعباس يتبادلان الاتهامات بالفساد منذ سنوات، مما أجج الكراهية بينهما. مشيرا إلى أنه وفي النهاية ، لم تكن لدحلان شعبية في الشارع ، ولم يكن لديه حينها خيارا سوى المنفى.

وفي عام 2014 ، أدانت محكمة فلسطينية دحلان غيابيا بـ “التشهير بعباس” وحكمت عليه بالسجن لمدة عامين. وبعد عام ، حُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات أخرى بتهمة الاختلاس.

ووصف التقرير دحلان بالطفل الذي غالبا ما يكون محبطاً ولكنه لا يستسلم أبدا. فبمجرد أن وصفته إسرائيل بأنه إرهابي ، أصبح لاعباً مركزياً في التفاوض على اتفاقيات أوسلو للسلام. مضيفا: يبدو أن الإدارات الأمريكية واحدة تلو الأخرى تقع في حبه ، بدءا من الرئيس السابق بيل كلينتون ، ثم الرئيس جورج دبليو بوش والآن ترامب.

وأكد التقرير إن دحلان عندما كان في غزة كان يحتقر الإسلاميين حيث أنه أذل قادتهم خلال توليه القيادة الأمنية في القطاع.

وأشار التقرير إلى أن دحلان ، قليل الظهور على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، لم يُشاهد داخل حدود الضفة الغربية وقطاع غزة منذ عام 2011 ، ولكن زوجته جليلة قامت بدور داخل القطاع لبناء دعم له هناك وذلك من خلال تنظيم زيجات جماعية لسكان غزة الذين يعانون من الفقر. مؤكدا أنه مدخن شره وله تاريخ من مشاكل في القلب.

وفي تعليق على لقاء مع دحلان عام 2011 ، قال جوناثان : قابلت دحلان في الليلة التي سبقت مداهمة الشرطة لمنزله في رام الله يوم 28 يوليو 2011، وحينها تعرفت على مكره وسحره. مضيفا أنه في حين لم يجر مقابلات مع صحفيين غربيين فقد دعيت بصفتي مراسل بلومبيرغ نيوز الأمريكية لمقابلته وذلك إلى جانب مراسل فلسطيني. ويقول: انتظرنا مدة ساعة تقريبا قبل أن يستقبلنا أمير الحرب المتقاعد في غرفة معيشته مرتدياً سترة وخفاً. وقال دحلان لنا وهو يبتسم إنه سيتعين عليه إلغاء المقابلة المخطط لها لأن الوقت لم يكن مناسبا ، لكنه سيكون سعيدا للتحدث بشكل غير رسمي. ثم جلس بجانبي على الأريكة.

وأظهر جوناثان حس دحلان الاستخباراتي الخبيث، مستدلا في ذلك بالموقف الذي مر به خلال المقابلة، حيث قال: أبدى دحلان إعجابه بهاتف الـ iPhone الخاص بي ، وتصفح التطبيقات الموجودة فيه حتى وجد المُسجل ثم أغلقه.

وخلال حديثه في المقابلة كان دحلان قاسياً في استخفافه بعباس وقال إنه يأمل في الإطاحة به ذات يوم في الانتخابات. وفي ختام المقابلة اعتذر عن الارتباك ووعد بفرصة مستقبلية لإجراء مقابلة معنا .

وفي صباح اليوم التالي من المقابلة، يقول جوناثان: استيقظت على تقرير إذاعي يفيد بأن دحلان قد اختفى من القطاع بينما كان العشرات من قوات الكوماندوز الفلسطينيية تقتحم منزله. وقاموا باعتقال 10 من حراسه الشخصيين واستولوا على كمية كبيرة من الأسلحة والذخيرة كانت موجودة في القبو. وبصفته عضوا في المجلس التشريعي الفلسطيني ، كان دحلان يتمتع بالحصانة من الاعتقال، ولكن بحلول اليوم التالي ، وردت أخبار أكدت أنه تمكن من الهروب وغادر الضفة الغربية وعبر إلى الأردن.

ولفت جوناثان إلى أنه وبعد أربع سنوات من اللقاء الأول، تمكن من إجراء حديث مع دحلان مرة أخرى كمراسل لبلومبيرغ أيضاً وذلك من داخل منزله المترامي الأطراف في أبوظبي. وقال إن دحلان كان أنيقًا بقميص أسود من تصميم Boss وبنطلون جينز أزرق ، وأجريت معه المقابلة في غرفة المعيشة ذات الأرضية الرخامية.

وأشار جوناثان إلى أن فيلا دحلان التي تقع على مرمى البصر من ناطحات السحاب الشاهقة في أبو ظبي أصبحت معروفة بأنها “صالون دولي”، يختلط فيها سياسيون فلسطينيون وإسرائيليون. وبعد وصوله أبوظبي ، أصبح دحلان منخرطاً بشكل متزايد في المصالح التجارية ، واصفًا نفسه بأنه “فاتح الباب” أمام العملاء وذلك بسبب الشبكة الواسعة من العلاقات الدولية التي طورها أثناء تجوله حول العالم مع عرفات.

لافتا إلى أنه وإلى جانب علاقة محمد بن زايد و محمد دحلان ، كان دحلان على علاقة وثيقة بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ، الذي تشاور معه حول كيفية مواجهة الحركات الإسلامية في مصر.

وجاء في التقرير أيضا أنه وبعد أن أنقذت أبوظبي الخطوط الجوية الصربية في عام 2013 واستثمرت 3 مليارات دولار في تطوير عقاري على الواجهة البحرية في بلغراد، حصل دحلان وعائلته على الجنسية الصربية.

وخلال المقابلة تحدث دحلان بصراحة وبشكل رسمي تضمن بعض الألغاز والغموض الخطابي. وبدلاً من القول بإنه سيتنافس على رئاسة السلطة الفلسطينية ، قال إنه سيسعى لإعادة انتخابه للبرلمان وأنه سيحضر ما أسماه عنصر “القيمة المضافة” لفريق القيادة بعد مغادرة عباس المسرح الفلسطيني. كما أعرب عن امتنانه للحياة التي يعيشها في أبو ظبي وولعه بالاستمتاع بضوء القمر أثناء قيادة السيارة مع ولي عهد أبوظبي.

وقال جوناثان: بالطبع عندما تتعامل مع دحلان فمن الصعب عليك أن تأخذ الأمور على ظاهرها، وتطرق كاتب التقرير إلى أن دحلان متهم بتسميم الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، كما تم اتهامه بمساعدة الموساد الإسرائيلي في قتل أحد أعضاء حركة حماس في دبي “في إشارة إلى جريمة اغتيال محمود المبحوح في 19 يناير 2010 في أحد فنادق دبي”.

مضيفا أنه وعلى الرغم من نفي دحلان إلى أن هناك أخبار قالت إنه كان بالفعل على متن إحدى الطائرات الإماراتية التي هبطت في تل أبيب تحت ستار تقديم مساعدات طبية للفلسطينيين والتي رفضها الرئيس عباس.

وأكد التقرير أنه وعلى الرغم من أن نجم محمد دحلان السياسي حالياً قاتماً إلا أنه يقدم مشورات مؤثرة لأبوظبي حول كيفية التعامل مع القيادة الفلسطينية. لافتا إلى أنه وعقب توقيع اتفاقية العلاقات بين الإمارات وإسرائيل والتي رفضها تيار الإصلاح فصيله داخل حركة فتح، قامت احتجاجات شعبية في الشوارع ضد الاتفاقية وتم خلال هذه الاحتجاجات حرق محمد بن زايد و محمد دحلان و داس المحتجون عليها بالأقدام.

وختم التقرير بالقول إنه في الوقت الحالي يعيش محمد دحلان في الظل حيث يقيم “عشه” في أبوظبي بعلاقات تجارية، ولا يزال يحلم بخلافة عباس في الرئاسة الفلسطينية ، ويقدم النصائح لأصدقائه الإماراتيين بشأن التعامل مع الفلسطينيين. مضيفا أن الكثير يعتمد على ما إذا كان ترامب سيفوز بالولاية الثانية لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية أم أن المرشح الديمقراطي جو بايدن سيأتي إلى البيت الأبيض بنهج أكثر تعددية. والسؤال المطروح على دحلان – وللمنطقة – هو ما إذا كان بإمكانه تجاوز انتقام منافسيه القدامى ولعب دوراً كبيراً في جلب الفلسطينيين إلى شرق أوسط سريع التحول؟.

إقرأ أيضًا: تركيا تطلب من الإنتربول القبض على محمد دحلان

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
الوطن الخليجية