مراقبون: إكسبو الدوحة 2023 شكل علامة فارقة في تاريخ استضافة الفعاليات العالمية

يعود الإعلان عن تنظيم دولة قطر لمعرض إكسبو 2023 الدوحة للبستنة الدولي الذي انطلقت أعماله اليوم إلى فكرة بسيطة، راودت القائمين على جناح دولة قطر في إكسبو أنطاليا 2016 ومن ثم تطورت إلى ملف متكامل للاستضافة عملت الأجهزة المعنية على ترجمته إلى واقع ملموس.

وقد مرت هذه الفكرة بمراحل مفصلية، ففي مارس 2018 وافق الاتحاد الدولي لمنتجي البستنة AIPH، على طلب قطر استضافة معرضA1 الدولي للبستنة في عام 2021 -2023 ، ومن ثم اعترف المكتب الدولي للمعارض BIE بذلك رسميا في 22 نوفمبر 2018، بعدها تسلمت دولة قطر رايته من جمهورية الصين الشعبية، في التاسع من أكتوبر 2019.

وفي 30 يوليو 2020، وبسبب جائحة فيروس كورونا، أعلنت وزارة البلدية والبيئة آنذاك، تأجيل المعرض الذي كان من المقرر إقامته في 2021 لوقت لاحق، إلى أن رأى النور أخيرا، فقد شكل إعلان وزارة البلدية في الرابع والعشرين من نوفمبر 2021، استضافة فعاليات المعرض الدولي للبستنة إكسبو الدوحة في أكتوبر 2023، علامة فارقة في تاريخ استضافة دولة قطر للفعاليات، لا سيما وأنه الأول من نوعه في المنطقة وشمال إفريقيا.

وتتوجه أنظار العالم مرة أخرى إلى الدوحة وسط توقعات بأن يكون المعرض نسخة استثنائية شكلا ومضمونا في ظل ما تتمتع به دولة قطر من بنية تحتية متطورة، تؤهلها للفوز بتنظيم واستضافة المؤتمرات والمعارض والأحداث العالمية، والتي كان آخرها على سبيل المثال لا الحصر، بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022، حيث تعد هي الأخرى علامة بارزة في تاريخ الدولة.

كما يتطلع العالم إلى المعرض كفرصة ثمينة لتفادي مخاطر تغير المناخ من خلال التوصل إلى اتفاقيات ومبادرات جادة تصب في مصلحة استدامة البيئة وتجني منها الأجيال القادمة فوائد جمة.

إن الإعلان عن استضافة معرض إكسبو 2023 الدوحة ، لم يكن مستغربا، بل كان متوقعا، لا سيما بعد نجاحات دولة قطر المتتالية، ودورها الفاعل أيضا على الصعيد الدولي من حيث المساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة العالمية ورؤيتها الوطنية التي تضع المحافظة على البيئة على قائمة أولوياتها عبر السعي لترسيخ الابتكارات في مجالات مختلفة من بينها مكافحة التصحر.

ومع انطلاق فعاليات أكبر معرض دولي للبستنة، والذي تحتضنه حديقة البدع، بمدينة الدوحة، تحت شعار صحراء خضراء.. بيئة أفضل على مدار 6 أشهر، يلمس الجميع ما تميزت به دولة قطر على هذا الصعيد، بدءا بأنشطتها المتعددة، مرورا بمشاركاتها وحضورها الفاعل في المحافل الدولية، بما يشمل إكسبو الصين 2019، حيث شاركت بجناح مميز، نال الإعجاب والتقدير، وصولا لتنظيم الحدث نفسه على أرضها.

وتأتي الاستضافة اليوم، تتويجا لجهود دولة قطر الكبيرة في مجال البستنة والزراعة، وتقديرا لسجلها الحافل بإنجازات متعددة في التنمية المستدامة، والحفاظ على البيئة.

ويأتي الاهتمام بقضايا التغير المناخي بدعم من القيادة الحكيمة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى التي رسخت ركائز ومبادئ التنمية البيئية ضمن رؤية قطر الوطنية 2030 .

فعالية استثنائية

وللوقوف على رمزية الاستضافة، ودلالاتها، وأهميتها بالنسبة لدولة قطر على وجه التحديد، والمنطقة العربية بأسرها، استطلعت وكالة الأنباء القطرية قنا آراء مجموعة من الخبراء والأكاديميين الذين أكدوا أن إكسبو 2023 الدوحة، ما هو إلا ترجمة حقيقية لنجاح دولة قطر في تحقيق تطلعاتها في توفير بيئة أفضل، وتوظيف التكنولوجيا والابتكار في الاستخدامات الزراعية، علاوة على نجاحها في تعزيز الوعي البيئي، ومتطلبات التنمية المستدامة الشاملة، التي باتت اليوم إحدى أهم ركائز التقدم والنمو الاقتصادي المنشود.

وأشادوا بما تملكه دولة قطر من مقومات عززت خطواتها لتقديم طلب استضافة المعرض، وإدارة ملفه بحكمة واقتدار، على غرار إدارتها الناجحة لملف بطولة كأس العالم، والتي كانت تاريخية وغير مسبوقة بكل المقاييس، حيث تؤكد، الدكتورة أمل غزال، عميد كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية، بمعهد الدوحة للدراسات العليا، أن استضافة إكسبو 2023 الدوحة، كأول معرض للبستنة في مناخ صحراوي، تأتي ضمن رؤية وطنية تسعى لتطويع البيئة المحلية والإقليمية بما يحقق الاستدامة، والأمن الغذائي، والحد من آثار التصحر المتزايد بالمنطقة.

وترى غزال أن المعرض يعزز تسخير العلوم والتكنولوجيا، والموارد البشرية والمادية لتطوير الزراعة بشكل خلاق، ما يؤدي إلى الاستدامة، وتخضير المساحات الصحراوية، مشيرة إلى أن دولة قطر تسعى من خلال استضافته إلى ترسيخ ريادتها في مجال الابتكار الزراعي، وفي تقديم حلول عملية لتحديات المناخ والبيئة، التي أصبحت تشكل تهديدا عالي المستوى على الأمن الإقليمي والعالمي.

وأكدت د. غزال، عميد كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية بمعهد الدوحة للدراسات العليا، حاجة منطقتنا لهذه المبادرات والابتكارات الزراعية من أجل تحقيق الأمن الغذائي والبيئي، مشيرة إلى أن دولة قطر عبر استضافتها لهذا المعرض تضع هذه المبادرات على سلم أولوياتها المحلية والإقليمية.

من جهته، يشير الدكتور عمر خليف الغرايبة، نائب عميد كلية الأعمال، بجامعة آل البيت الأردنية، إلى أن دولة قطر أصبحت مركزا للفعاليات الدولية ذات المستوى العالمي، وهي تحسن توظيف إمكاناتها وقوتها الناعمة، لتعزيز وترسيخ مكانتها على الخارطة السياسية والاقتصادية والسياحية العالمية، حيث ساهم نجاحها في استضافة بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022، في تقوية تأثيرها الدولي، وتعزيز دورها الاقتصادي، وإظهار قطر والمنطقة بصورة حضارية أمام العالم.

وقال الغرايبة في سياق متصل: يعتبر إكسبو 2023 الدوحة أول معرض عالمي للبستنة، يقام في منطقة ذات مناخ صحراوي، تشكل الصحاري فيها نسبة كبيرة، الأمر الذي يجعل من الأهمية بمكان أن تفكر الدول العربية بشكل لا بديل عنه في إعمار الصحراء المليئة بالخيرات، باعتبارها ركنا أساسيا للمستقبل الحضاري العربي.

وبحسب الدكتور الغرايبة تنبع أهمية المعرض في تسليط الضوء على الصحاري العربية، التي يمكن أن تشكل إقليم اتصال بين الأقطار العربية، ومن خلال استثمارها سياحيا، أو زراعيا بمشاريع مشتركة، يمكن أن يتحقق التقارب والتكامل العربي، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى الاندماج العربي، فعلى سبيل المثال- لا الحصر- بدأت الصحاري بشكل عام والعربية بشكل خاص في استقطاب السياح الذين يبحثون عن الهدوء والسكينة، والتزلج على الرمال، وسباقات الصحراء (خيل، وهجن، وسيارات، ودراجات)، والمهرجانات التي تعرض ثقافات وأسلوب حياة شعوب الصحراء.

ووفقا لما ذكره الدكتور الغرايبة تتمتع الصحاري العربية علاوة على مقومات الجذب السياحي بمقومات هائلة ومعروفة، وتزخر بالمعادن وفي مقدمتها النفط، وغنية بمستودعات المياه الجوفية، لذا فإن إعمارها من أوجب الواجبات، وذلك بإقامة اتحاد عربي إقليمي للحد من التصحر، وتحقيق التنمية المستدامة في المناطق الصحراوية.

ويتوقع أن يساهم استضافة المعرض في رفع الوعي البيئي العربي، الذي يركز على تنمية الصحاري العربية، من خلال منهجية معروفة في التنمية المكانية Spatial Development ، وذلك بالتركيز على جميع المستقرات البشرية الواقعة على حواف الصحاري، وتصنف هذه المستقرات إلى 3 رتب تنموية، أقطاب نمو/Growth Poles/، ومراكز نمو/Center Growth/، ونقاط نمو Points Growth، وذلك بهدف تحقيق الهدف الأسمى وهو إعادة إعمار الصحاري، وتحقيق التنمية المستدامة الشاملة لصاري المنطقة العربية الممتدة.

وعن أهمية انعقاد المعرض في مناخ صحراوي، يرى الكاتب والخبير الاقتصادي، أحمد عقل، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/ أن استضافته تعد مكسبا أساسيا لأي دولة، وحدثا مهما يساعد على تحريك معطيات الاقتصاد، ويفتح فرصا استثمارية جديدة، فضلا عن تحسين مستوى العمل في البستنة على مستوى دولة قطر والمنطقة ككل.

وقال : المعرض يأتي كثمرة لنجاحات الدبلوماسية القطرية، وإدارة علاقاتها المتجذرة والمتشعبة مع مختلف دول العالم، ويعكس الثقة الكبيرة التي توليها الدول لقطر، خاصة بعد نجاحها في تنظيم الفعاليات والأحداث المختلفة، كبطولة كأس العالم الأخيرة، والتي لاقت إقبالا جماهيريا، وأكدت قدرة الدولة على كسب الشركاء والمستثمرين الجدد، فالمعرض أولا وأخيرا يترجم إصرار دولة قطر الكبير على تطوير كافة الأمور الأساسية المهمة، ذات الصلة بحياة البشر، فقد رأيناها في الأمن السيبراني، والمياه، والغذاء، ومحاربة الفساد، والآن في البستنة، والتحول إلى منطقة خضراء.

وأكد أن الحدث مهم جدا، ويساعد على نقل التكنولوجيا والطرق الزراعية الحديثة، إلى المنطقة العربية، كالزراعة في المياه وبدون تربة، متوقعا أن يكون لمعرض إكسبو 2023 الدوحة، دور كبير في إيجاد مستثمرين لهذا القطاع الحيوي.

وعن المناخ الصحراوي، أشار عقل إلى جهود دولة قطر في نشر الرقعة الخضراء، من خلال تشجيع المزارعين ودعم أنشطتهم، لافتا إلى أن الكثير من الخضراوات أصبحت تنتج محليا اليوم، والعمل مستمر للاستفادة من كل قطرة ماء، وتوظيف الطرق الحديثة لتحسين الإنتاج الزراعي المحلي كالزراعة بدون تربة، مما سيطور من قدرات البلدان الصحراوية وغيرها، وتأمين مخزونها الغذائي.

من المؤكد أن سقف التوقعات سيكون عاليا من حيث الإرث الذي سيتركه /إكسبو 2023 الدوحة/ بشأن تطوير الزراعة ومكافحة التصحر وترسيخ الاستدامة البيئية، علاوة على عقد الشراكات داخليا وخارجيا، على مستوى المواد والتقنيات، واستصلاح الأراضي، واستغلالها، خصوصا بعد نجاح دولة قطر في تنمية ثروتها الحيوانية، والتوسع في تربية الأغنام والمواشي ومساهماتها الفاعلة في مجال التنمية المستدامة على المستوى الدولي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
الوطن الخليجية